عزل سعد ابن ابى وقاس
كان
سيدنا سعد بن أبي وقاص t سادس من أسلم، وخال الرسول ، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، ورغم فضله ومنزلته إلا أن سيدنا
عمر بن الخطاب لا يتكل على هذه الأمور، بل يحقق في الأمر لأنه يؤمن بأن الله
محاسبه عن كل هؤلاء الولاة، فأرسل من يحقق في الأمر، وكان هذا الرجل كما يقول عنه
علماء التاريخ: إنه رجل المهام الصعبة، هذا الرجل الذي كان النبي
يبعثه في مهامه الصعبة، وهو سيدنا محمد بن مسلمة، وأشهر ما قام به في حياة النبي أنه
كان في السرية التي قتلت زعيم اليهود
كعب بن الأشرف وهو الذي قتله، وكانت له
من السرايا بعد ذلك الكثير، ولكن كانت هذه أشهر سرية في حياته t.
فما
كان من سيدنا عمر بن الخطاب t إلا أن أرسل سيدنا محمد بن مسلمة ليحقق في الأمر، ولينظر أتلك
الخلال في سيدنا سعد بن أبي وقاص أم أن القوم عليه مفترون؟
فلما
قدم محمد بن مسلمة الكوفة طاف على القبائل والعشائر والمساجد بالكوفة، فوجد الكل
يثني على سعد خيرًا، حتى انتهى إلى سوق فقابل رجلاً يقال له: أبو سعدة أسامة بن
قتادة، فقال: أنشدك بالله ما فعل سعد فيكم؟ فقال الرجل: أما إذ ناشدتنا فإن سعدًا
لا يقسم بالسوية، ولا يعدل في الرعية، ولا يغزو في السرية. وما إن تجرأ هذا الرجل
على ما قاله حتى تبعه خلق كثير في مقالته، وقالوا: إنه يلهيه الصيد عن القتال في
سبيل الله، وأنه لا يحسن يصلي.
فأرسل
سيدنا محمد بن مسلمة بما سمعه من أهل الكوفة إلى سيدنا عمر بن الخطاب t،
فبعث إليه عمر بن الخطاب بالقدوم عليه إلى المدينة ومعه سعد بن أبي وقاص وأسامة بن
قتادة، فيأتي سيدنا سعد بن أبي وقاص ويشهده سيدنا محمد بن مسلمة على مقولة أسامة
بن قتادة، ويقر أسامة بن قتادة أمام عمر بن الخطاب ما قاله من قبل.
فيدعو
عليه سعد ويقول: "اللهم إن كان قالها كذبًا ورياء وسمعة فأعمِ بصره، وكثر
عياله، وعرضه لمضلات الفتن؛ إنه ظلمني".
وسأل
سيدنا عمر بن الخطاب t محمد بن مسلمة عن هذه المقالة، فقال: إن كثيرًا من أهل السوق
يقولونها. فقال سيدنا عمر: يا سعد، كيف تصلي؟ فأخبره أنه يطول في الركعتين
الأوليين، ويخفف في الأخريين، وما آلو ما اقتديت به من صلاة رسول الله .
فقال
له عمر: ذاك الظن بك يا أبا إسحاق، والله أعلم أن ما يقولونه عليك ما هو بحق،
ولكني أخشى الفتنة. فآثر السلامة وعيَّن مكانه من استخلفه، ثم قال عمر لسعد: من
استخلفت على الكوفة؟ فقال: عبد الله بن عبد الله بن عتبان. فأقرَّه عمر على نيابته
الكوفة، ثم بكى سيدنا سعد بن أبي وقاص، وقال: يزعمون أني أشتغل بالصيد عن قتالي في
سبيل الله، وأنا أول من أراق دمًا في الإسلام، ولقد جمع لي رسول الله
أبويه، وما جمعهما لأحدٍ قبلي؛ ففي غزوة أحد قال له النبي : "ارْمِ سَعْدُ فِدَاكَ
أَبِي وَأُمِّي"
[1],
"اللَّهُمَّ سَدِّدْ رَمَيْتَهُ، وَأَجِبْ
دَعْوَتَهُ"
[2].
ويدرَأُ
سيدنا عمر بن الخطاب الفتنة بعزله، وهو يعلم أنه بريء من هذه التهم الباطلة، وتمر
الأيام ويطول الزمن بأسامة بن قتادة حتى كبر في السن وعمي بصره، واجتمع عنده عشر
بنات، وكان يسمع بالمرأة فلا يزال حتى يأتيها فيتعرض لها وهو شيخ كبير فانٍ، فإذا
عثر عليه قال: مفتون أصابته دعوة الرجل المبارك سعد بن أبي وقاص, وقال له:
"وكل من تكلم في حق سيدنا سعد بن أبي وقاص أصابته قارعة في جسده، ومصيبة في
ماله بعد ذلك، وقال بعض العلماء: إنهم قُتِلُوا في
موقعة الجمل، ومُثِّلَ بهم".